تخيل أن لديك طريقا بدون إشارات مرور، ففي هذا السيناريو يمكن للسيارات التحرك بحرية دون توقف، وهذا مشابه لكيفية تحرك الإلكترونات في الغرافين، بسبب امتلاكه لما يعرف بـ”فجوة النطاق الصفرية”، وهذه خاصية غير مطلوبة.
والجرافين عبارة عن طبقة واحدة من ذرات الكربون مرتبة في شبكة سداسية. وعلى الرغم من أن له خصائص كهربائية وحرارية وميكانيكية غير عادية، فإن الحاجة إلى التحكم في تدفق الإلكترونات -تماما مثل استخدام إشارات المرور لإدارة السيارات- حالت دون استخدامه في تصنيع أشباه الموصلات المستخدمة في الأجهزة مثل “الترانزستورات”، وظلت مادة “السيليكون” إلى الآن المسيطرة على هذا السوق، لامتلاكها “فجوة نطاق”، رغم عيوبها الأخرى.
ومنذ سنوات طويلة يسعى العلماء إلى إيجاد فجوة نطاقية في الغرافين، عبر إضافة “إشارات مرور” تتيح آلية التوقف والانطلاق الخاضعة للرقابة في الإلكترونيات. ويزعم فريق بحثي من معهد جورجيا للتكنولوجيا بأمريكا، أنهم نجحوا في ذلك، وأنتجوا أول شبه موصل وظيفي في العالم مصنوع من الغرافين بعد التغلب على العقبة الكبرى التي ابتليت بها أبحاث الغرافين منذ عقود، والتي جعلت الكثيرين يعتقدون أن إلكترونيات الغرافين لن ترى النور أبدا.
وخلال دراسة نشرتها دورية “نيتشر”، أعلن الباحثون تفاصيل مشروعهم البحثي الذي استمر 10 سنوات وتكلل بالنجاح في إكساب الغرافين خاصية “فجوة النطاق”، أي تمكن من وضع “إشارة مرور” تسمح بالتحكم في تدفق الكهرباء.
وتضمن هذا الإنجاز استخدام تقنية “النمو الفوقي” لزراعة الغرافين على رقائق “كربيد السيليكون” باستخدام أفران خاصة، مما أدى إلى إنتاج الغرافين الفوقي الذي يتمتع بخاصية “فجوة النطاق”.
و”النمو الفوقي” عملية تستخدم في علوم المواد وتصنيع أشباه الموصلات لترسيب طبقة بلورية رقيقة على الركيزة بطريقة تحافظ على المحاذاة الهيكلية بين ذرات الطبقة المترسبة وذرات الركيزة.
ووفق ما جاء بالدراسة، أظهرت أشباه موصلات الغرافين قدرة على الحركة أكبر بعشر مرات من السيليكون، مما سمح للإلكترونات بالتحرك بشكل أسرع مع مقاومة منخفضة، مما يجعل الحوسبة أكثر سرعة وكفاءة.
وبعد النجاح في ذلك، استخدام الباحثون تقنية تعرف بـ”التطعيم” لمتابعة السلوك الإلكتروني لمادة الغرافين الجديدة.
وتتضمن هذه التقنية إدخال ذرات محددة إلى مادة الغرافين، وهذه الذرات “تتبرع” بالإلكترونات، ومن خلال إضافة هذه الذرات المتبرعة بالإلكترونات يمكن للباحثين قياس الخصائص الإلكترونية للغرافين دون التسبب بتلف بنيته.
وبعد النجاح في تجديد خصائص الغرافين، ينظر العلماء إليه على أنه الجيل القادم من الإلكترونيات، بسبب خصائصه الفريدة التي ستجعل الحوسبة أسرع وأكثر كفاءة.
ويثير هذا الإنجاز أسئلة رئيسية، مثل كيف ساعد “كربيد السيليكون” على تغلب الغرافين على التحدي المتمثل في عدم وجود “فجوة نطاق”، وما قيود السيليكون في سياق الإلكترونيات الحديثة، وما الذي يجعل أشباه الموصلات القائمة على الغرافين فريدة من نوعها مقارنة بالسيليكون. كما يدعو الإنجاز إلى بحث مستمر لإنتاج إلكترونيات نانوية معتمدة على الغرافين عالية الجودة.
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً
اشترك في نشرتنا الإلكترونية مجاناً.